خط أحمر
في كتابها يامال الشام كتبت الأديبة الراحلة سهام ترجمان: دمشق أقدم مدينة في التاريخ، مدينة لها سر إلهي قدسي، لها سحر تاريخي روحاني صوفي حضاري عربي، لها علاقة صميمية بخط اللانهاية النابع من الصحراء العربية وقبة السماء العربية، بالقوس العربي، بقباب الجوامع والكنائس.
الشام تشد المؤمنين والمتصوفة، لأنها كما تؤكد العجائز المؤمنات من نسائها:
” الشام سرها مقدس والله حاميها” ولأنها “شام شريف” كما يعتقد الحجاج المارون بها إلى الأراضي المقدسة وإلى “القدس” وإلى “مكة المكرمة” لأداء فريضة الحج، ولأنها المدينة الفاضلة كما يؤكد المهاجرون من سكانها اللاجئين إليها عبر التاريخ، الذين اختاروها وطناً ثانياً لهم يضمهم بحنان وحب وكرم، فالشام قلب ماتعود إلا أن يحب ويضم.
ولأنها المدينة الجميلة ذات الطبيعة الأخاذة التي تشد السياح والشعراء والفنانين والعلماء والباحثين والمؤرخين والملوك وأبطال التاريخ، يعبون من بحر “اللوحة” التي تتعانق وتلتحم فيها بيوت المدينة العربية القديمة وأحياؤها وحاراتها وأسواقها وجوامعها وكنائسها ببساتين الغوطة موطن “فصل الربيع” في الدنيا، بنهر بردى بفروعه السبعة: بجبل قاسيون الأجرد ببادية الشام تحيط بالغوطة، بالسماء الزرقاء تضم المدينة بفرح بصفاء بحنان، بالشمس تبعث فيها دفء الحياة وحرارة الحب، دمشق الشام هي “الحب”، إن قدري كإمرأة هو قلب سورية الحبيبة وقلب العروبة، وعاصمة الأبطال والحرية والياسمين.
ولدت الأديبة سهام ترجمان عام 1932 في دمشق وارتبطت ابداعاتها الأدبية بدمشق، كيف لا وهي ابنة دمشق الجميلة في عصرها الذهبي وجيلها المثقف وحركتها الأدبية المتنوعة وبيوتها الواسعة وأزقتها الضيقة التي تجبرك أن تقترب من كل من يمر بها لتشعر بدفء قلبه وسعة صدره.
توفيت سهام ترجمان الخميس الماضي عن عمر يناهز الواحد والتسعين وتركت خلفها إرثاً أدبياً لا ينسى، فوداعاً لهذه الياسمينة التي سقطت على صحن أبيض مزركش بالذهب قرب فنجان القهوة الصباحي وكأس الماء المعطر برشة المازهر، كما وصف كتابها الدكتور صباح قباني، التي عطرت وتعطر الكأس بعطر زهر النارنج والليمون في بيوتنا الشامية العربية العتيقة.
سهام ترجمان ….من دمشق ….. ومن وزارة التربية نقول لك…. وداعاً…